Wednesday, September 19, 2012

مات رمز التآخي والتعايش السلمي


مات رمز التآخي والتعايش السلمي  
أخيراً مات أبا القصيدة والمسرح الكركوكي مات مسرعاً بعد أن كان يمشي الهوينى في أزقة كركوك التي تعرفه ويعرفها لم يمهله المرض كثيراً بل إن رحلته ورحيله لم يتجاوزا شهراً واحد. سيدي العزيز نحن في بلاد تكرم السيئين وتكره الصادق والوطني فكيف إذا كان ذلك الإنسان هو جليل القيسي الذي عرفته الكرة الأرضية وأصبحت أعماله نقاطاً مضيئة في العالم فإذا ذكر القيسي ذكرت كركوك التي لم يتركها منذ أربعين عاماً. وحين تركها للعلاج لم يقتله المرض مثلما قتله حب الوطن. سيدي الأديب كنت وحيداً تنزوي حيث تكتب بعيداً عن مهاترات الأدب والأدباء لأنك أكبر من تلك المشاكل الصغيرة. فما يشغلك كان أكبر وكنت الوحيد الباقي من جماعة كركوك الذين مزقتهم الحياة بين عواصم الدنيا والتحقت أخيراً بيوسف الحيدري وجان دمو لتروي لهم ما حدث ويحدث من حروب طائفية وقتل على الهوية في بلاد وادي الرافدين. لم أسمع أو أقرأ إنك التقيت مسؤولاً في الزمن الماضي ولا الحاضر. ولم تكن من الذين يبحثون عن الكراسي في أي زمان لأن كل الكراسي كانت عبارة عن أوثان يعبدها أصحابها وتستعبد أهلها ورأيت ورأينا ما حدث ويحدث لكراسي الدم الموزعة بين المرتزقة والأميين حسب الدين والمذهب والقومية في بلد كان يسمى العراق. كثير منا كان يعرف علة القيسي وشخصناه منذ زمن إلا الأطباء لا أدري أهو جهل منهم أم إنهم لا يعرفون لأنهم لم يشخصوا المرض إلا بعد أن استفحل عليه وتمكن منه يوم لا يفيد المرض الخبيث إلا الاستئصال وأرسل إلى تركيا على نفقة حكومة إقليم كردستان وبدعم من وزير الثقافة فلك الدين كاكي والشاعر شيركو بيكس وفي تركيا كتب نهاية أسطورة القصة العراقية. الذين كانوا يمشون في الجنازة قلة من الأهل والجيران والأصدقاء ولم يعلم بموته الكثير منا. أما في اليوم الأول لعزائه فكانوا أيضاً قلة. لله درك أبا أسامة أعدت قصة السياب الآن على الملأ. فنحن قوم يحترمون الراقصة والفنان الأمي حين يموت فنطبل ونزمر وننسى الأساطير التي سيرويها التاريخ عن حياة ورحيل أسطورة كركوك والعراق القيسي الذي ولد عام 1937ومات عام 2006. أتمنى أن يطلق أسم القيسي على إحدى مدارس كركوك وأتمنى أن يطلق أسمه على أحد شوارع كركوك المهمة وباسمي وباسم أدباء وفناني كركوك أدعو المنظمات الإنسانية إلى فتح باب التبرع لإقامة تمثال للراحل القيسي يوضع أمام المكتبة المركزية ولا نطلب من حكومة كركوك أي شيء لأنها تقتل الأدب والفن والفنانين والدعوة مفتوحة لكل أبناء كركوك العزيزة. ــــــــــــــــــــــــــ محاصرة إنسان حالم... إلى جريح الزعفران... جليل القيسي ناصر خلف في مساء يوم خريفي داكن، ارتعشت فيه وريقات الشجر وهي تحتسي رصيف منطقة (طريق بغداد)، ولشد ما كان الراحل القيسي يستهوي المسير فوقه وحيداً فريداً الا من عصارة جهوده المذابة في زخات المطر الواهنة. يجلده عنفوان الذاكرة والفكرة الطريحة وتبكيه أصفاد الحصار الروحي. لم تكن تلك اللحظات الهائمة غير وشائج مسكونة بعذوبة اللقاء على حين غفلة من الزمن، انا والقيسي وجهاً لوجه في يوم تبددت فيه حجب السماء، في لقاء ندي عابق يملأه الخجل المتورد الذي ران على صدغه، يا ترى ما الذي جرى بيني وبينه؟ هنا انتهى المشهد الأول. لنعد إلى بداية القصة: راودتني نفسي المحسوبة على الحداثوية مع التشبث في عروق الماضي التليد لأقدم إلى الراحل الكبير في كل معانيه وتصوراته الذهنية هدية تذكارية ليأتي اليوم الذي يفك أسرها وهي حبيسة خزانة كتبه ومحتوياته الشخصي، وحصل الذي حصل عندما شرعت في نزوة أشبه بالمغامرة لأسكب على الورق العريض جزءً من أحلامي المؤجلة تجاه هذا الإنسان الوقور، وما هي إلا ايام انجلت فيها غيوم المكابدة الغارقة في أحاسيسي النازفة، وعندها وضعت العنوان الموسم "محاصرة انسان حالم" وكان ذلك عام 1994 استغرقت متأملاً أكثر من أسبوع لأرسم إلى جانب التخطيطات وجع قصيدة نثرية بنفس العنوان ليسمُّوها كبرياء الهدية. لقد اعتبرت هذا المشوار جانباً مهماً في حياتي بعد ان اثنى عليها الأديب الشاعر رعد مطشر وقام مشكوراً بطبعها لتقديمها هدية في اية مناسبة يمكن ان تحصل. مرت الأيام ولم يكن ثمة بدٌ ان يقوم الأستاذ رعد بإيصالها إلى الراحل القيسي في بيته، ورغم صداقتي الوشيجة معه الا انه لم يكن يعلم بأني المطلوب على لائحة التعارف. انتهى المشهد الثاني. وفي المشهد الثالث الذي طال انتظاره وبدأ الزمن يمحو أحرف اللقاء المرتقب والتعارف عن كثب وكثيراً ماكنا نلتقي دون ان يعرف صاحب الهدية الموسومة "محاصرة إنسانه حالم" الموشمة بمجموعة نادرة من التخطيطات بالحبر الصيني التي ظل بها معجباً طيلة حياته. استوقفته لاعود بكم إلى المشهد الاول في نهايته بعد انه اذبل روحي هذا الكبت لعدم البوح عن سر هذه الخطوطة، هنا تمتمت بكل رقة وهدوء لاقول له: يا استأذنا انا المدعو ناصر خلف، فحدق بوجهي متأملاً ومستغرباً بما يشبه الصدمة وصاح بهدوء ليس بعده: لايمكن ان يحصل هذا؟ هل انت المبدع ناصر خلف؟ كل هذا الزمن الذي مر ولم تبح باسمك الصريح لي ودار بيني وبينه حديث ودٍ شيقٍ، ضحكنا سوية لأطراف المصادفات الكوميدية التي شابت في تلك اللحظات بعد ثلاثة عشر عاماً على كتابتها. ونزولاً للرغبة التي تبنتها جريدة العراق الغراء اقدم هذا القصيدة النثرية مثلما هي تيمناً برحيل اديب كركوك الاول. "القصيدة" 1994 كركوك أيها المأخوذ برائحة النعناع وعطر النرجس إما آن الأوان لقلبك... المغسول بالجراح ان يهجع من ترحاله الأبدي؟ وتخلد فيه على ضفاف نهر (خاصه صو)؟! اما آن لحبك الممهور باللوعة، ان يتدرج في سلام العشق... متخذاً من صولجان المحبين عكازاً لهُ *** لقد كحل الزمان فودك بياضاً حتى لتخاله عشَّ حمامة بيضاء... داهمتها الجوارح وانت الوسنان تسبحُ في ورم الكتابة.. *** عصيب هو أمرك ؟ وانت تطرح عبر بوابات الألم بقايا جراحك غير ابه لعِواء الرياح...! لم ينضب بعد مدادك المتشبِّث بالنسغِ الصاعد إلى اغصان الروح.. ولن تنطفئ أبداً تلك الجذور المستعرة.! المشدودة إلى الكلمات. *** الصهيل ... مازال ينداح كالبروق "والمارة حول العالم" يجترون ذلك الصدأ المحملي... من حناياك النازفة في ظلك المتمادي عبر أزقة كركوك وشوارعها المكتظة بالبشر أبصر فعلتيك..لا تستقر على المعترك الجامد من الحوارات والسفسطة المشنوقة بحبال الماضي...وضبابية الحاضر تضع يديك على الحداثة... فإذا هي عصفورٌ ساكنٌ ووقارك الذي ننظر إليه...وكأنه – عواصف – لا تطاق . ذلك الهدوء الورع المنبعث من خطاك المشرئبة الى أعمدة السماء. "جوف القصيدة" من ذلك العالم السرمدي ينبجس فجرٌ محمومٌ مسكون باصواتٍ شبيهة بعواء الذئاب... من مكنونات الاشياء بدأت صيرورة الانسان عاشقاً ونازفاً في آن من ذلك العالم، يأتي الحب ، من الوجد، من الرغبة، من اللوعة،من الامتلاك من الشبق المغروس في اللا شعور من خلاصة النسغ الصاعد الى الأغصان من الخطى السائبة من الفجوات من الانا السابحة في النخاع.. من الصقيع والبراكين، من قراءة "ادجار الان بو" و"كافكا".. الى الترنح باذيال "باسكال" او "بروست" الى الامعان في لوحة "فتيات افنيون" ورغبة "بيكاسو" من شطر المتبقي من المكبوت... الى "سلفادور دالي" و"ذكرياته الدبقة" *** من كذا... وذاك تتناسل الأشجار... كبقية الكائنات والأفئدة وتتوزع إلى (هلاميات) وأنسجة ورغبات، وأمزجة، وأفكار... *** في اليوم الذي تسلق فيه حلمي الموبوء تلك الاشجار انفرج امامي سيل عارم من الاماني المذهلة.. افقت على ذلك الورم الطفولي امام اعتر الا على قبض من الريح. توجست الخطى عبر دهاليز اليتم بحثاً عن "فتافيت امرأة" غائرة في الطين *** قال ممسوخ ما: انظر فتلك امنية حالم صغير فمشيت مذعوراً وكانني مصدورٌ لفَّه سعالٌ رهيب وكأن المستقر عيون "ميدوزا" قال آخر موشوم بالفضيحة: ارشق عشك الذي في اعلى الشجرة؛ فما عادت جذورها تحتمل دفق دموعك الساخنة. *** ايها الحالم... كل صرخة مهما انداح صداها فإن مصب نهرها السكوت اجتر.. ماضيك ان شئت فالقيح النافذ من عينيك لم تخضل صورته بعد، وانت بين سماء الله والافئدة الكسيرة *** ماذا تستقرأ يا معشوشب الرأس بالأحلام؟ أي الاماني تستفزك؟ أي الرؤى تمخر عباب قلبك النازف؟ وانت لم تبح بعد بأسرارك حتى للعصافير *** ايها الماكث بين شجر الله والارض احلامك نوارس تحلق عبر البحار البعيدة... وياسمين فاح شذاه... فقد شق عصا الطاعة عن بقيه الأزاهير والأقداح ... ناصر خلف/1994 ــــــــ رحل الحبيب الموت حق ولكن لماذا نفقد من هم قدوتنا في التسامح والأخوة والتآخي. من كان له الدور في وحدة ثقافة كركوك فالكل يعرفه هو رمز الثقافة والأدب الكركوكي. فقدناك يا أستاذ القصة أيها الراحل جليل القيسي رحمك الله وأدخلك فسيح جناته. اتحاد أدباء وكتاب كركوك ــــــــــــ رمز الثقافة أول من نعزيه هو أنفسنا ومن ثم نعزي أبناء كركوك ثم أدباءها فمثقفوها وفنانوها، لأن القيسي كان معروف في الأوساط كلها العربية، الكردية، التركمانية والكلدوآشورية. وهو واحد من جماعة كركوك، فرحم الله القيسي وأدخله فسيح جناته. ــــــــــــ أيها الراحل ببالغ الحزن والأسى نعزي أنفسنا ونعزي مدينة كركوك بفقيدنا الراحل. لقد ارتاحت روحك وهي في طريقها إلى السماء لعلها تدخل في رحمة الله الذي يغفر الذنوب وهو القادر على كل شيء إنه الرحمن الرحيم ذو الرحمة الواسعة يا أبا أسامة. روّاد ملتقى الزمن ـــــــــــــــــ فليحزن المسرح نعزي أدباء وفناني كركوك برحيل الكاتب المسرحي والقاص جليل القيسي الذي خدم المسرح والأدب في كركوك لنصف قرن من الزمن. فرحمه الله وأدخله فسيح جناته وإنا لله وإنا إليه راجعون. ياوز فائق مدير فرقة القلعة للتمثيل ــــــــــــــــــ وداعاً يا قيسينا الى اين ترحل وانت الذي كنت يوماً اشعاعاً يصل كل الادباء... يا قيسينا لا يسعنا إلا أن نقول أنتم السابقون ونحن اللاحقون. غفر الله لك... وثبّتك وأسكنك الجنة، وألهم أهلك الصبر والسلوان... (إنا لله وإنا إليه راجعون). عدنان العبادي ـــــــــــــــــــ آخر العمالقة هاهو جليل القيسي يحمل حقائبهُ مسرعاً وهو يرتحل من بيننا تاركاً خلفهُ عشرات المخطوطات... رحل دون أن يودعنا في ملتقى الزمن، حيث موعدنا الشهري. فنم قرير العين، يا من أرخت تاريخ كركوك... وداعاً يا آخر عمالقة القرن العشرين. صباح بولص °°°°°°°°°°° محمد الحمداني

No comments: